فيلم البريء (أحمد زكي)
يتحدث الفيلم المصري الجريء “البريء” عن مفهوم الحرية بشكل شامل، حيث يُظهر لمحات من الفساد السياسي في مصر بعد سياسة الانفتاح، وبالتحديد خلال الانتفاضة المعروفة بـ17 و18 يناير 1977. كما يتناول الفيلم فكرة تحويل الإنسان إلى آلة مبرمجة لخدمة سلطة معينة. يتلخص الفيلم في عبارة “قمع الحرية بجهل الأبرياء”، والتي تمثلها بعض النقاد. وفي إهداء السيناريو، تكرم وحيد حامد مؤلف القصة، عشاق الحرية والعدالة في كل زمان ومكان بجهوده المتواضعة. وعلى الرغم من جودة العمل الفني وإبداع الممثلين، انتقد البعض النهاية التي كُرِّرت فيها النغمة الشرقية القديمة للحلول الفردية، والتي تتضمن عادة التصفيات الجسدية.
وافق وزير الثقافة المصري فاروق حسني في عام 2005، في انتصار نادر لحرية الرأي والتعبير في العالم العربي على عرض النسخة الكاملة لفيلم البريء من دون حذف للمرة الأولى على شاشة السينما، بعد 19 عاماً من إنتاجه. وواجه الفيلم معارضة من قبل الرقابة الحكومية، حيث شاهده وزراء الداخلية والدفاع والثقافة في عام 1986 وطالبوا بحذف بعض المشاهد وتغيير النهاية. وتم عرض الفيلم كاملاً وبدون قطع أو رقابة في أبريل 2005 في مهرجان السينما القومي تكريماً للفنان الراحل أحمد زكي. ومن المعروف أن الفيلم تم تقليصه في بعض المشاهد المختلفة، وتم حذف مشهد النهاية من قبل لجنة رقابة تشكلت من 3 وزراء: وزير الدفاع السابق المشير عبد الحليم أبو غزالة ووزير الداخلية السابق أحمد رشدي ووزير الثقافة السابق أحمد عبد المقصود هيكل في عام 1986. قررت اللجنة حذف المشهد بحجة أن الزمن لا يناسب عرضه. الفيلم يتضمن أيضًا أغنيتين بصوت الموسيقار المبدع عمار الشريعي، ومن كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، واعتبر البعض هاتين الأغنيتين قمة في الإبداع ومتعبِرتين جداً عن مضمون الفيلم.
القصة
الشخصية الرئيسية في الفيلم هي أحمد سبع الليل (أحمد زكي)، الشاب الريفي الفقير الذي يعيش مع أمه وأخوه عبد الصبور المتخلف عقليًا. أحمد سبع الليل لا يعرف ما وراء قريته، حيث تحجبه ظروفه المادية القوية عن التعليم. بالنسبة له، الوطن مجرد حقل يزرعه بنفسه وترعة يلقي فيها جسده لمقاومة حرارة الصيف. والأعداء، هم أولئك الذين يمكن أن يواجهوه وجها لوجه، فإن استيعابه الذهني يتوقف عنده. وأما التسلية الوحيدة التي يمارسها بعد يوم شاق، فهي زيارة متجر البقالة الوحيد الذي يجتمع فيه بعض شباب القرية للحديث أو السخرية من الأغبياء مثله. حسين وهدان (ممدوح عبد العليم)، الشاب الوحيد الذي يدرس في القرية، متعاطف مع أحمد سبع الليل ويمنع الشباب الآخرين من التنمر عليه، ويشجعه على التطوع في القوات المسلحة للدفاع عن البلد ضد الأعداء.
عندما يتم استدعاء أحمد سبع الليل في سابعة المساء للتجنيد الإجباري وبسبب جهله بمعنى التجنيد أو الوجهة التي سيذهب إليها، يقوم حسين وهدان بشرح معنى التجنيد لأحمد فيقول إن الجيش يحمي البلاد من أعداء الوطن. وعقب هذا التوضيح، يجيب أحمد وعلى فهمه أن قريته ليست بلدًا معادية لها أعداء. وتكون هذه الجملة محور أحداث وبداية الفيلم من حيث النص والإخراج والتصوير. وفيما بعد، يتبين أن المُجندون يخضعون لبرنامج مكثف للفحص الطبي، إضافةً إلى تصنيفهم الثقافي والعلمي. وبالتالي، يصبح أحمد الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة في آخر القائمة. ويتم توجيهه للانضمام إلى قوات حراسة معتقل سياسي في منطقة صحراوية معزولة. وهنا يتدرب على طاعة الأوامر بطريقة الطاعة العمياء التي تتطلب تنفيذ الأوامر دون مناقشة مهما كانت متناقضة مع المنطق.
في المعتقل، نشهد وجود العقيد توفيق شركس (المعروف أيضًا بـمحمود عبد العزيز) وهو ضابط يعيش حياة مزدوجة؛ ففي حياته الخاصة، يبدو لطيفًا ورقيقًا جدًا، بينما في حياته العملية، يقوم بممارسة أساليب التعذيب الوحشية والعنيفة. لذلك، نلاحظ التناقض في شخصية العقيد عندما يشارك ابنته في اختيار هدية عيد الميلاد، حيث يرفض شراء لعبة بشكل عسكري أو بشكل لص ويختار بدلاً من ذلك آلة موسيقية رقيقة مثل الجيتار. وليست هذه الحالة فحسب، بل عندما يتعامل مع رجل المرور بخشونة بسبب توقف سيارته في مكان محظور. وعلى الجانب الآخر، يتحول توفيق شركس إلى وحش إنساني في معسكر الاعتقال، حيث لا يخضع لأي قيود تعيق إرضاء المسؤولين الذين يكلفونه بمهامه. فهو يبالغ في التعذيب والتنكيل بسجناء المعتقل. يلاحظ أحمد سبع الليل أن المعتقلين يجبرون على أخذ الطعام من الأرض ووضع أيديهم وراء ظهورهم، فيسأل عن السبب. فيجيبه الشاويش قائلاً “هؤلاء أعداء الوطن”.
بين المعتقلين، يوجد الكاتب رشاد عويس (صلاح قابيل) وأستاذ الجيولوجيا (جميل راتب). بسبب سذاجة أحمد وبساطته، يعترض على قدم الجيش الطعام لأعداء الوطن وإيفاء واجب الحراسة بكل يقظة ومنع أي محاولة للهروب من نظام السجن. ولا يتأثر بمعاملة سيئة وقسوة يواجهها من قائد المعسكر العقيد توفيق شركس وضباطه تجاه المسجونين، بل يرون أنه من المفروض قتل هؤلاء الأعداء لكي يعود كل جندي إلى عائلته ومنزله. تتلاشى حينها أحداث الفيلم بسرعة، وتكشف أن بعد ورود معلومات عن وجود لجنة تفتيش لتقييم السجن، تتغير ظروف السجن حيث يعامل المساجين بطريقة لطيفة وتفتح لهم مكتبة وملاعب كرة قدم. وعندما تنتهي اللجنة من عملها وتغادر المعتقل، تعود الأمور إلى سوءها في البداية.
يُستخدم الناي كرمز من قِبَل المُخرج لتمثيل العقبة الوحيدة في تحويل الإنسان إلى آلة. في فيلم “أحمد سبع الليل”، يكون أحمد مولعًا بالناي، وعندما يعزفه في مكان عمله كحارس، يُأمر بإلقاء الناي من قِبَل الشاويش (مشرف الحراسة)، ونرى الناي وهو يسقط من برج الحراسة إلى الأرض، فيُنهى بذلك الحدث الأول في الفيلم، ويتبدأ الحدث الثاني بغناء المعتقلين جماعيًا بدون موسيقى أو آلات، وهو من تأليف الشاعر عبد الرحمن الأبنودي “أغني بدموعي لضحكة الأوطان”. في الجزء الثاني من القصة، يُحاول الكاتب رشاد عويس (صلاح قابيل) الهروب، ونظرًا لأن الحارس الساذج أحمد يعتقد حقًا أن المعتقلين هم أعداء الوطن، فيقوم بمطاردته حتى آخر نفس. تُنتهي المُطاردة بمعركة بين الجندي الشاب والكاتب المعتقل، يُفقد فيها الفتى حياته بسبب الخنق، وسط تهليل المعتقلين الذين يصرخون “إنت مش فاهم حاجة”. يعتقد الجندي الشاب أنه يُطهر الوطن من هذا العدو، ويحصل على مكافأة تتمثل في إجازة يذهب فيها إلى قريته وترقيته إلى رتبة العريف تقديرًا لشجاعته وبطولته.
تصل ذروة الإثارة في الفيلم عندما يتواجد مجموعة من طلاب الجامعة في المعتقل للتعبير عن آرائهم ويستعد أحمد بعصا في يده لتأديب أعداء الوطن، ولكن المفاجأة هي أن أحد الطلاب هو ابن قريته حسين وهدان (ممدوح عبد العليم) الذي يعتبره أحمد صديقاً عزيزاً، حيث تعلم منه العديد من قضايا الحياة والتزامه تجاه الخدمة العسكرية. هنا يتخلى أحمد عن أوامره ويرفض ضرب ابن قريته، وبدلاً من ذلك يدافع عنه ويحميه بجسده ويتعرض للضرب بدلاً منه. إنه حسين أفندي ابن الحاج وهدان، وأنا عارف ذلك. هذه هي اللحظة التي يبدأ فيها الإثارة الأخيرة في الفيلم، حيث يتحول أحمد ويدرك أنه ليس بالحقيقة يقاتل أعداء الوطن، فيتم السجن مع حسين ويموت حسين بعد أن يلدغه أفعى ويكون في حضن صديقه. بعد ذلك، يعود أحمد إلى عمله وتعكس عينيه قرارًا قد اتخذه، ولكن لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك. مرة أخرى، يغني المعتقلون أغنية حزينة عن تبديل الحقيقة وتحويل المعاني. يعزف أحمد على الناي القديم الذي صنعه بيديه وهو في برج الحراسة، ويحمل الناي في يده والرشاش في اليد الأخرى، ويشاهد سيارات تقترب تحمل المزيد من المعتقلين، فيرفع الرشاش ويصرخ صرخة عالية وتنتهي الفيلم بنفس الطريقة التي عرضت للجمهور. ومع ذلك، في النسخة الأصلية للفيلم، يقوم أحمد بإطلاق النار على الضباط والجنود، ويقتل بدوره على يد أحد الجنود، بينما يثور المعتقلون ويطالبون بالحرية من داخل سيارات النقل الكبيرة.
البطولة
|
|
|
|
|